انتبه إنه فخ - فهم الفروق الفردية بين الأطفال

9 يناير 2025
وفاء الطجل
انتبه إنه فخ - فهم الفروق الفردية بين الأطفال

سمعتُ أحد الآباء يقول مستغربًا:

"غريب كيف أن أولادي ليسوا متماثلين، رغم أنهم إخوة! لقد نشأوا وتربّوا في البيت ذاته، مع الأهل نفسهم والجيران، لكن للأسف، ابني الصغير ليس مثل أخيه ولا يضاهيه في شطارته!"


 دعوني أقول  لهذا الأب:

لو أنك زرعتَ عددًا من البذور المختلفة، ووضعتها بجانب النافذة، ورعيتها بالطريقة نفسها، وحرصت على أن تحصل كل بذرة على القدر نفسه من الضوء والماء والرعاية، فهل ستنمو جميعها بالشكل نفسه والسرعة نفسها لمجرد أنها في البيئة ذاتها؟

بالطبع لا…


ستجد أن كل بذرة لها وتيرتها الخاصة، فـبذرة الخردل لا تزال برعمًا صغيرًا، بينما الحلبة بدأت تظهر ساقها وأوراقها، أما الكتّان فقد سبقها قليلًا في النمو.

ستلاحظ أنه لا يوجد نبتتان متماثلتان تمامًا، فسبحان الله الذي لم يجعل الأشياء نسخًا متكررة، بل جعل الاختلاف ميزة وتفرّدًا، اختلاف تنوّع لا تضاد فيه، واختلاف إثراء لا إقصاء معه.


لقد منح الله كل بذرة سمات تميّزها، وجعل لكل إنسان بصمته الخاصة.


وهنا أستحضر رسالة جميلة كتبتها إحدى الأمهات تصف أبناءها.

شبهتهم بـألوان الطيف السبعة، وكان وصفها مليئًا بالحنان والفهم؛ قالت إن طفلها الأصغر يشبه اللون الأصفر في حيويته، غيرته، وحماسه، بينما ابنتها تشبه اللون الأخضر في هدوئها، عطائها، وتديّنها، أما ابنها البكر فهو اللون الأزرق، رصين، حكيم، متأمّل.

وقد أبدعت في أن ترى كلًّا منهم كما هو،  من دون مقارنة، بل عرفت مواطن تفرّدهم وميزاتهم، ثم ختمت رسالتها بجملة بديعة:


"الحمد لله الذي زيّن حياتي بألوان تملؤها بهجة، وأسأله أن يعينني على التعامل مع كل واحد منهم بما يناسبه."


ترى، كم مربٍّ يمتلك هذه الحكمة، وهذه العين المبصرة؟


الأم التي كتبت الرسالة لم تقع في فخ المقارنة أو الرغبة في النسخ المتماثلة.

لقد لمست بذكاء جذر المشكلة: ضعف قدرة بعض المربين على احترام الفروق الفردية.


فالأب الذي استفتحنا به المقال، حين قال لابنه الصغير: "لمَ لا تكون بشطارة أخيك؟" كان يظن أنه يحفّزه، لكنه – من دون قصد – أحبطه وأشعره بالدونية.


❌ المقارنة لا تنجح بهذا الشكل.


لأنك حين تزرع شجرة موز بجانب شجرة برتقال، فكل منهما تحتاج إلى رعاية مختلفة، وثمر مختلف، وما يفعله الفلاح الواعي هو ما يجب أن يفعله المربي الحكيم.


حتى النبي ﷺ حين أراد أن يشجّع عبدالله بن عمر، لم يقارنه بأحد، بل قال:


"نِعمَ الرجلُ عبدُالله، لو كان يُصلّي من الليل"

✅ مدح ما عنده، وأشار بلطف لما يتمناه له.


أليس من حق الطفل علينا أن نلاحظ تفرده وخصوصيته؟

أن نعرف ما يحب وما يكره؟

أن نكتشف نقاط قوته وضعفه، لنساعده في النمو بثقة وهدوء؟


الكثير من المربين يظنون أن الأطفال يمرّون بمراحل النمو نفسها، والوتيرة نفسها، ويحبون الأشياء نفسه،

لكن الحقيقة أن كل طفل متفرّد، له طريقة تعبيره، واحتياجاته الخاصة.


فلنكن أكثر وعيًا:

🌟 لكل طفل "لونه" الخاص

🌱 طبيعته الّتي لا تشبه أحدًا

🧠 بصمته مميزة لا تتكرر


وليس من حقنا أن نفرض عليه التغيّر بالقوة، بل من واجبنا أن نقبله كما هو، نحبه  من دون شروط، وندعمه ليعرف كيف يتعامل مع نقاط قوّته وضعفه.

وعلينا بعد ذلك أن نعلّمه أن الناس أيضًا مختلفون؛ يتشابهون في أشياء، ويختلفون في أخرى، وهذا لا يعني الأفضلية بل التنوع الذي يعطي للحياة معناها.


ختامًا:

انتبه أيها المربي كي لا تقع في فخ المقارنة.

 قدّر الاختلاف، وكن واعيًا أن التنافس لا يعني التطابق.

فالله سبحانه قال:


"وَلَوْ شَاءَ ربُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ"

صدق الله العظيم.