حق يقابله واجب

12 يناير 2025
وفاء الطجل
حق يقابله واجب

   في كل عام يُحتفل بيوم الطّفل العالميّ، فنرى الجميع بما فيها وسائل الإعلام تركّز على أنّ هذا الاحتفال جاء لأنّ العالم أقرّ أخيرًا أن يعطي الطّفل حقّه، كما أقرّ اتفاقيّة حقوق الطفل، وهذا من شأنه أن يرسل لأبناء المسلمين مفاهيم مغلوطة مفادها أنّ الطّفل المسلم لم يأخذ حقوقه مثل أطفال العالم ، ولم تُقرّ حقوقه إلّا من خلال اتفاقيّة الأمم المتحدة لحقوق الطّفل.


    لطالما أزعجني هذا الأمر، وكان يؤرّقني كثيرًا، ولذلك فكرّت مليًا  بأن أقوم بعمل يجعل الأطفال يعرفون كم أحبّهم نبيهم وكيف أنّ الرسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاهم حقوقهم كافة بما فيها الحقوق المعنويّة كالاحترام والحبّ والرعاية، بل اهتمّ بهم قبل أن يولدوا بالتّوصية باختيار الأمّ الصالحة، وبعد ولادتهم باختيار اسم جميل لائق للمولود. كم هذا دقيق وعميق ومؤثّر في النفسيّة والشّخصيّة ولم ترقَ له اتفاقيّات الحقوق الحديثة، وكان هذا منذ أكثر من 1445 عام .


     لقد اُثبِتت حقوق الطّفل في الإسلام وأقرّت مع سنّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم، فتعلّمنا منه كيف نعامل أطفالنا برحمة، وكثيرةٌ هي المواقف والأحاديث الّتي تثبت ذلك، بل أنّ حقوق الطفل في الإسلام تتفوّق على ما أقرّته اتفاقيّة حقوق الطفل الحديثة، ناهيك عن الانحرافات الفطريّة والمخالفات الشرعيّة الّتي بدأت تندرج ضمن حقوق الطّفل، والتي أقرّت مؤخّرا، كما أنّ هناك أمر آخر،  صحيح أنّ التركيز كلّ عامّ على توعية الطفل بحقوقه وهو أمر بالغ الأهمّيّة، إلا أنّه لم يتحدّث أحد مطلقا عن الواجب مقابل الحق، رغم أهمية تعلم الطفل واجباته مقابل أخذه حقوقه،  فالطفل كي يتعلّم  ما له لابدّ أن يعرف مباشرة ما عليه، حقّ يعطى وواجب يفرض ليستقيم الفكر والتوجه وتستقر العاطفة؛ لذا قمت بتدوين أهمّ حقوق الطفل المتفق عليها، وبحثت في السيرة النبوية العطرة عن مواقف تؤكّدها، وكتبتها بصورة فيها بعض الغموض الذي يدعو الطفل للبحث في السيرة لمعرفة تفاصيل الموقف وشخصيّاته حتّى يكون التّركيز على الحقّ كموضوع جوهريّ ، فحين قدّمت الحق الأول قلت: "وعدت والدي ومن يقوم على تربيتي بأجور عظيمة صلى عليك ربي وسلم " دون القول أعطاك الإسلام هذا الحقّ أو أقر نبيك هذا بشكل مباشر، وحرصت أن يكتب الموقف بطريقة تجعل الطفل يفكر ومقابل كلّ حقّ كتبت واجب على الطفل القيام به، مثلا "من حقّي أن أعيش في بيئة محبّة وداعمة، وواجبي أن أقدّم الحبّ لمن حولي وأرعاهم ".



 ولتكون  الحقوق والواجبات سلسة و سهلة التكرار والحفظ ، تواصلت مع الصديق العزيز جيكر خورشيد وتباحثنا في الموضوع، وقد أسعدني تأييده للفكرة وإعجابه بها، فطلبت منه أن يكتب نصًّا قابلا للتلحين كي ألحقه  بالموقف الذي كتبته، وبالفعل أبدع وكتب قصيدة جميلة مطلعها " علّمني يا أبتي ديني إسلامي حصن يحميني". الحقّذ الأوّل أن يعرف الطفل من ربّه وما دينه والواجب أن يطبق ما تعلم فجاء الشطر يقول: "أتلو آيات القرآن أتعبّد ربي الرحمن" ، ومن ثم ّجاء دور التلحين،  حيث لحنت الأبيات المبدعة لينا زئبق وغنتها بصوتها العذب، ووضعت النشيد في رمز نهاية الكتاب ليسهل مسحه وسماعه، فما أجمل صوتها وهي تتكرّر :" حقّي يسعدني يرضيني والواجب دوما يحميني..."، بعد الإنشاد والتّلحين، بدأت رحلة البحث عن فكرة جديدة للإخراج تجعل هذا العمل كتابا تفاعليًا، وبإخراج جذاب ملفت، رسمت المشاهد ريشة العزيزة سهير خربوطلي الّتي أضافت للكتاب بريشتها المميزة روحا إسلاميّة بصورة حديثة وجميلة. لم أكتفِ بذلك، فقد أردت أن يكون عملًا متكاملًا ، لذا صمّمت أوراق عمل لعشرين حقّ وواجب يحلها الطفل ويفهم كيف يطبّق الحق أو الواجب، وجمعتها في كتاب أنشطة منفصل، وأُخرجت الحقوق والواجبات في بطاقات كي تكون أداة جاهزة بيد المربي يمكنه من خلالها التحدّث مع أبنائه عنها وشرحها لهم بحيث يأخذون وقتهم في التفكير بها ومناقشتها مع ذويهم، فأثمر أخيرًا كتابي"كم أحبّك". ستجدون  في نهايته تعليمات للكبار عن أهمية تعليم الحقوق والواجبات وآثارها النفسيّة على شخصيّة الطفل ، ووضعت رموز الأناشيد وعشرين بطاقة حقّ وواجب وكتاب أنشطة، وجمعت كلها في حقيبة واحدة أطلق عليها "حقيبة الحقوق والواجبات"


   بفضل الله صدرت حقيبة الحقوق والواجبات وعرضت للمرّة الأولى في معرض الرياض الدولي للكتاب، وقد لاقت أصداء جميلة. تُعدّ حقيبة الحقوق والواجبات قيّمة ونفيسة للطّفل، فهي تعرّفه حقّه وبالمقابل يعرف واجبه تجاه هذا الحقّ.


     فإذا حصلت على الحبّ ينبغي أن أعطيه في المقابل، ومن هنا انطلقت فكرة كتاب " كم أحبّك" حيث كتب لنا الشاعر مصطفى مكرمة قصيدة جميلة عن نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم بعنوان" أحبّك يا رسول اللّه" ويعدّ هذان الكتابان من الإصدارات المهمّة لـ" التّربويّون" بالمشاركة مع دار المعارف بإدارة الأستاذ ماهر محيو الَّذي ساهم بدوره في إنجاح هذه الفكرة. 

والجدير ذكره أنّه أُرفق في حقيبة الحقوق والواجبات أكثر من 22 نشاطًا يستطيع الطّفل من خلالها حلّ النّشاط حول الحقوق والواجبات فيرسخ بذلك في ذهنه الحقّ وكيفيّة تأدية الواجب.

      أسأل اللّه تعالى أن يتقبّل منّي العمل ويبارك فيه، وأن يجعله خالصًا لوجهه إن شاء الله تعالى، وأنا فخورة بنفسي لأنّ ربّي وفّقني وقمنا في " التّربويّون" بهذا العمل الأصيل والمميّز لإبراز حقوق الطّفل كما ذكّرنا بها نبيّنا محمّد.