نجحت لك … حصلت على نسبة 90% فما هي المكافأة؟ وما الهديّة الّتي سأحصل عليها؟…أنت تعرف أنني لا أحب المدرسة …أذهب إليها لأنك تريد ذلك.. عبارات نسمعها من الأطفال تدلنا على ضعف دافعيتهم للتعلم، وتضع المربي في حيرة من أمره . ترى هل فقد أبناؤنا حب المعرفة وشغف التّعلّم؟ هل لأننا نوفره لهم ما يريدون من دون أن يطلبوه؟ أم السّبب كثرة الملهيات والمسليات المتوفرة خارج المدرسة، أم لعدم معرفتهم بالعائد عليهم من التعليم؟ جميعها احتمالات واردة، لكن الأمر المؤكد أن علينا أن نعرف الألية الصحيحة لدعم ورفع دافعية أبنائنا للتعلم، ولكي نجد الحلول الناجعة علينا أن نبحث عن أسبابها المحتملة، وطرق تنميتها وتعزيزها.
لقد كانت سُنة الله في الأرض أن العلم يُؤتى ولا يأتي، فمن دون الرغبة يصعب بذل الجهد والوقت لأجل التعلم، فالمتعلم يحتاج لدافع داخلي يجعله يتحمل مشقة التعلم ليمضي قدما نحوالاستمراريّة والنّجاح ، أما حين يتحول لوعاء قابل للتعبئة تُصبُ فيه المعلومات، ويتلقى التوجيهات وكأنه جهاز استقبال غير واع فيصبح المتعلم كسول اتكالي، ويحدث خلل واضح في السُنة الطبيعية، وهنا لابدّ لنا من وقفة تأملية توضيحيّة.
إنّ الدافعية من الموضوعات الأساسية مرتبطة بشكل وثيق بعمليات التعلم وشخصية المتعلم وسلوكه، فلا تَعلُم من دون دافعية، وقد عرّفها علماء النفس بأنها الحالة الداخلية لدى المتعلم التي تحرك سلوكه وأداءه، وتعمل على استمراره بالعمل وتوجهه نحو تحقيق هدف معين، أو هي الحالة الداخلية التي تحث الفرد على الانتباه والنشاط المتواصل حتى يتحقق التعلم، أي أن أي نشاط يقوم به الفرد لا يبدأ ولا يستمر من دون وجود دافع، فإذا لم نشعر الجوع لن نقوم للأكل، وإذا شعر الطفل أن جهده يوصله لنتيجة محسوسة تدل على إنجازه سيشعر بالنجاح والسعادة ثم بالرغبة لبذل مزيد من الجهد للبحث والاكتشاف و المعرفة، ثم يكرر التجربة الممتعة فيكمل طريقه نحو التّميّز والنّجاح.
سأتحدث عن نوعين من الدافعية: الدافعية الذاتية العفوية الداخلية، وهي تلقائية فطرية تساعد الطّفل في البحث واكتشاف العالم من حوله، تولد معه و لا يحتاج لتعلمها، وتستمر معه لتنتقل من شكل لآخر، وتبقى محمية من العوامل المؤثرة عليها والتي قد تجعلها تضعف أو تختفي، أما النوع الثاني فهو الدافعية المُحَفَزة أو الخارجية وهي الّتي تدفع الطفل للتعلم والنمو بعوامل خارجية، ولتقريب المفهوم سأشبه النوع الأول بالطاقة الداخلية التي تتولد بالحركة وحرق الطاقة من دون الحاجة لتدخل خارجي، أما النوع الثاني فهو مثل السيارات التي تعمل بالزنبرك تحتاج لمن يلفه حتى تتحرك لتعود للوقوف وتحتاج لمن يعيد لف المفتاح ليعقد الزنبرك، وهي مشاهده مع الطالب عندما نقدم له المكافأة فلا يبذل جهد ما لم يحصل على مقابل.
ومن أهم الأسباب التي تؤثر على الدافعية الذاتية العفوية أو تضعفها ، تدني تقدير الذات والشعور بعدم القدرة والإحساس بالفشل، وفقدان الهدف وعدم وضوح الميول المستقبلية، المناخ التعليمي غير المتجدد وغير الملائم، المبالغة في الضبط والقوانين التي تشكل ضغط نفسي ورغبة عارمة في مقاومة ومخالفة السلطة، التوقعات المرتفعة التي تشعر الطفل بعدم الكفاءة حين يكون المطلوب صعب والتحدي ليس من السهل تحقيقه أو نطلب الامتياز باستمرار ولا نقبل اقل من ذلك، أو المنخفضة والتي تجعل الطفل يشعر بعدم القدرة أو عدم الحاجة لبذل الجهد حيث يكون هناك دائما من يقوم عنه بالعمل المطلوب فيتحول الى شخص اتكاليّ وكسول، الإهمال وعدم المشاركة والمتابعة حيث يشعر الطفل بأنه غير مهم ولا أحد يهتم لأمره ، المشكلات الأسرية وكثرة الانتقاد والنبذ والحرمان، كلّ هذا من شأنه أن يجعل الطفل يائسًا غاضبًا وقد يستخدم ضعف التحصيل كوسيلة للفت الانتباه والانتقام، اعتماد أسلوب المكافآت لحمل الطفل على القيام بواجبه الأمر الذي يجعله يعمل ليس لإرضاء نفسه بل لإرضاء من سيكافئه.
بعد أن تعرفنا على الأسباب التي تضعف الدافعية للتعلم نحتاج إلى التركيز على كيفية تعزيزها ودعمها، إليكم بعض الآليات لتحقيق ذلك:
أولًا: البدء من اهتمام المتعلم وتوفير فرص لاختيار الطريقة أو المحتوى أو المواد التعليمية المناسبة، والعمل على إخراج المتعلمين من مقاعدهم للمشاركة والشعور بالتغيير بنشاط بدني وذهني بالتساوي في جو يسوده المرح.
ثانيًا: تحفيز فضوله بإثارة الغموض والتساؤلات لتشجيعه على البحث عن الإجابات، ووضع بعض التحديات.
ثالثًا: استخدام طرق تعليمية جديدة وغير مألوفة والحرص على التغيير المستمر لجذب الانتباه باستخدام ألعاب تعليمية ممتعة على بعض الأجهزة الالكترونية.
رابعًا: ربط المحتوى التعليمي بالأهداف الفردية الخاصة بالمتعلم ليتسنى له إدراك المنفعة الشخصية، واللّافت في الأمر أن الأهداف الذاتية تكون أكثر طموحا من تلك الموضوعة من الغير.
خامسًا: جعل التوقعات واقعية وإيجابية واضحة الأهداف والمغزى ومناسبة للعمر ومستوى النضج لدى المتعلم وهو قادر على تحقيقها.
سادسًا: تزويد المتعلمين بدرجة معقولة من الضبط الذاتي مع وضع معايير وعواقب عادلة تربط النتائج بالتوقعات و تضمن الشعور بالمساوة، كما يجب أن يشعر المتعلم بالراحة في ارتكاب بعض الأخطاء والتي لن تنعكس على تحصيله الكلي.
سابعًا: الاستخدام الواعي للجوائز والمكافآت الرمزية والمادية بصورة إيجابية، فلا مكافأة على واجب بل يجب أن يكافأ الجهد بقدره، ويشاد به مهما كان بسيطًا؛ بصورة ترصد الإنجاز بكل مستوياته، وتطوير أساليب القياس والتقييم بصيغة إيجابية ليكون هدفها تحسين الأداء المستقبلي.
صحيح أنّنا نستطيع أن نُجلس الطفل على مقعد الصف لكن لا يمكننا أبداً إجباره على التعلم ما لم يرغب هو بذلك، فعندما توصد أبواب العقول أمام المعلم بسبب انخفاض الدافعية فما عليه إلا أن يلاحظ سلوك المتعلم ويحاول البحث عن جذر المشكلة ليحلها.